بائعة الياسمين 🌿. قصة قصيرة بقلم وحيد جلال الساحلي | by Wahid Sahli | Oct, 2025

1lt7LlLYYcXHFGNe4vc1MLw@2x.jpeg

قصة قصيرة بقلم وحيد جلال الساحلي

Press enter or click to view image in full size

في أحد أزقة المدينة القديمة، عند زاوية شارعٍ مبلّلٍ برائحة التاريخ والذكريات، كانت تجلس امرأة مسنّة تحمل في يدها سلةً صغيرةً مليئةً بعناقيد من الياسمين الأبيض.

لم يكن أحد يعرف اسمها الحقيقي، لكن الجميع في الحي اعتادوا أن ينادوها ببساطة: “بائعة الياسمين”.

كانت تأتي كل صباح قبل شروق الشمس، تجلس على مقعدٍ خشبي متهالك، وتفرش منديلًا أبيض وضعت فوقه باقات صغيرة ربطتها بخيوط من القشّ. كانت تغمس أصابعها في الماء وتلامس الزهور بحنانٍ يشبه لمسة أمٍّ لوجه طفلها النائم، وكأنها تخشى أن تذبل روحها إن ذبلت تلك الزهور.

كان المارة يمرّون بها على عجل؛ موظفون، طلاب، سائقون، نساء يحملن أكياس الخبز، قلّما التفت أحدٌ إليها.

لكنها كانت تبتسم دائمًا.

ابتسامة فيها من الهدوء ما يكفي ليغسل ضجيج المدينة.

كانت تقول لكل من يقترب منها:

“خذ زهرة يا سيدي، فالعطر لا يُباع، إنما يُهدى لمن يستحق.”

وفي نهاية كل يوم، كانت تجلس أمام المقهى المقابل، يقدّم لها صاحبه فنجان شاي دون أن تسأله، ودون أن يسألها هو عن قصّتها.

كان يشعر بشيءٍ غامضٍ في عينيها، شيءٍ يشبه الانتظار الطويل، أو الحنين الذي لم يجد طريق العودة بعد.

مرت الأيام، والشتاء بدأ يقترب.

ذات صباحٍ، لاحظ صاحب المقهى أن يديها ترتجفان وهي تضع الزهور في المنديل. اقترب منها وقال بلطف:

“البرد قاسٍ هذا العام، لِمَ لا ترتاحين قليلاً وتتركين البيع؟”

ابتسمت وقالت بصوتٍ متعب:

“إن توقفت عن بيع الياسمين، سأموت… العطر هو آخر ما أبقى لي من الحياة.”

ثم أضافت هامسة:

“تعرف، يا بني، كنت أزرع هذه الزهور مع ابني، هناك في القرية البعيدة… كان يضحك حين يراها تتفتح، ويقول إن رائحتها تشبه ضحكتي.”

سكتت قليلًا ثم أضافت:

“رحل في الحرب، ولم يبقَ لي منه سوى الياسمين. منذ ذلك اليوم، وأنا أزرعها، أبيعها، وأتنفسها… لأتأكد أنه ما زال هنا، بين أزهاري.”

لم يعرف الرجل ماذا يقول. فقط وضع يده على كتفها وقال:

“رحمه الله، سيبقى عطركما معًا.”

Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *